نساء رائدات

فضيلة الكادي سفيرة الطرز المغربي

يعتمد الكثير من مشاهير العالم على مهاراتها وتميز طراز تصاميمها من أجل ابتكار إطلالات مبهرة لهم، عصرية وأنيقة وتميزها اللمسة المغربية العريقة، تكون بتوقيع أناملها التي خبرت أسرار الصناعة التقليدية المغربية على يد “م علميها” بسلا القديمة.

إنها فضيلة الكادي، هذا الاسم الذي أضحى يتكرر في محافل دولية مختلفة، ومنصات العرض العالمية للأزياء من خلال تصاميمها ذائعة الصيت التي تنطق بعراقة الثقافة المغربية سواء تعلق الأمر بالتطريز أو “زواق المعلم” الأصيل الذي لا يختلف اثنان حول مدى إبهاره للعين، أو بأنواع الأقمشة والقصات وغيرها من التفاصيل التي تبث روح الأصالة في تصاميمها العصرية الأنيقة.

اختيار تصاميم الكادي من طرف مشاهير الفن والسياسة والاقتصاد حول العالم، لم يعد مفاجأة ولا صدفة، إذ أن مكانتها في عالم الأزياء ومنهجها في تجديد الصناعة التقليدية المغربية ومزجها بلمسة الحداثة سبقته خطوات مهمة جعلت من مسارها قصة تستحق أن تروى.

فهي التي بدأت بنسج حلمها دون تخطيط منذ صباها، حين وطدت علاقتها بالإبرة والخيط على يد أمهر الم علمات والم علمين، وتيقنت أنهم زرعوا في أناملها الكثير من المهارات، سواء ما تعلق منها بالطرز وأنواعه أو نسيج الزرابي، وغيرها من مهارات الخياطة.

صدفة ت ت ل م ذ ها على يد حرفي ي وحرفيات الصناعات التقليدية كانت وليدة عادة إرسال أهل سلا لبناتهم خلال ما لهن من أوقات فراغ لتعلم الحرف المتعلقة بالخياطة التقليدية والنسيج؛ كتقليد أصيل في هذا المجتمع الذي ترعرعت فيه، لينمو داخل فضيلة شغف تطويع أدوات الخياطة وجعلها وسيلة تبلغ بها كبريات منصات العرض العالمية للأزياء بتصاميم عصرية مستوحاة من الشغل اليدوي المغربي.

من سلا إلى منصات العرض العالمية

مثلت فضيلة الكادي الأزياء المغربية في معظم عواصم العالم، وبدا واضحا أن الطابع المميز لما تقدمه من تصاميم معاصرة، يجمع بين الأناقة والعراقة المنبثقة من بين الخيوط المنسوجة وفق المهارات التقليدية المغربية. وتمكنت بذلك من جذب اهتمام وإعجاب النجوم العالميين مثل باربرا سترايسند ووبيونسيه وويل سميث، كما استطاعت على مدى سنوات، أن تقدم مجموعاتها الراقية بتميز، ويشهد لها في ذلك دقتها وصرامتها في اختيار أجود المواد وأرقاها. وإيقانا منها بالجمال الكامن في ح رف الأجداد، انكبت فضيلة الكادي، وعلى مدى سنوات، على متابعة مختلف مهارات فن التطريز لدى شعوب عديدة عبر العالم، وذلك لاستلهامها في تصاميمها. وتؤكد الكادي بخصوص انفتاحها على مختلف ألوان فن التطريز لدى الشعوب الأخرى، أنها كانت دائما شديدة الانبهار بالصناعات التقليدية لأن “إبداع اليد لا حدود له”. جاء دخول فضيلة الكادي عالم تصميم الأزياء بعد حصولها على منحة للالتحاق بمدرسة تصميم بسيطة في الرباط، وخاضت في البداية غمار امتهان تصميم الأزياء دون دعم معنوي من أسرتها، لكن حبها للموضة والتصميم انتصر على كل الحواجز التي كان يمكن أن تعيق دخولها هذه المهنة. وجعلت فضيلة من شغفها مهنة تبرز من خلالها كل المهارات التي أتقنتها بفضل “المعلمات”، وبما تلقته من عماتها اللواتي كن يحترفن النسيج، بعد أن خبرنه داخل وسطهن الصحراوي، فكانت الكادي بذلك محاطة بالنساء الملهمات اللواتي ما تزال تكرم مجهوداتهن، كما تقول، بتصاميمها التي ت ظ ه ر بامتياز هويتها. شمس الكادي تشرق مع عمالقة الفن مسار فضيلة الكادي في التصميم برزت أهم مراحله عقب لقائها بكل من المصور الإيطالي بول ثوريل Paul Thorel، والمصمم الأيقوني إيف سان لوران Yves Saint Llaurent. وشكل المصور والفنان الإيطالي بول ثوريل إحدى النوافذ التي أطلت من خلالها فضيلة الكادي على المهتمين بعالم الأزياء والتصميم في أوروبا، وأكدت، في بوحها لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن لقاءها بثوريل مثل دفعة قوية للتعريف بتصاميمها الفنية في أوروبا قاطبة. كما كان لقاؤها بعبقري التصميم إيف سان لوران بعد ذلك انطلاقة حقيقية لها في عالم التصميم. وتؤكد أن “سان لوران لم يقدم لها المشورة الفنية وحسب، بل الدعم المعنوي الكامل لموهبتها، ودفعها الى التشبث أكثر بحلمها والمثابرة من أجل الاستمرار”. وأوضحت الكادي، أن علاقتها الفنية بسان لوران علمتها تطوير مهاراتها في التعامل مع الألوان، التي تعد تيمة مميزة في تصاميم هذا الفنان الأيقوني، وظل مصدر إلهام مهم في تصاميمها، خصوصا أن نقطة الالتقاء بينهما كانت هي الصناعة التقليدية، إذ كان من أوائل من اعتمدوها في تصاميمهم. لم تحصر فضيلة إبداعها في نطاق تصميم الملابس فقط، بل تشتغل كذلك على المجوهرات والأحذية والمواد الجلدية والعطور، ما يجعل محلات عروضها جامعة لمجمل مكونات إبداعها. وما هو مؤكد أن ما حازته الكادي من شهرة عالمية في مجال تصميم الأزياء لم يزدها إلا تجذرا في هويتها المغربية، فهي لا تنسى، في غمرة نجاحها، التعبير عن فخرها بمكونات الثقافة المغربية التي تشكل مصدرا آخر لإلهامها. وباعتزاز، تقول الكادي إن فلسفة تصاميمها استلهمتها من أناقة أمها التي كانت تمزج لباسها التقليدي المغربي في مختلف المناسبات بلمسات عصرية، مشيرة إلى أن إحدى إطلالات والدتها، وهي ترتدي جلبابا مغربيا تقليديا تعلوه ياقة قميص رجالي عصري، ظلت راسخة في ذاكرتها منذ صباها. والمبهر في مسيرة فضيلة الكادي أنها تمكنت من إثبات إمكانية جعل التصاميم العصرية قطعا فنية عريقة جذابة، رغم أن الإقبال على تصاميمها في البداية كان من طرف الأجانب أكثر، قبل أن تقود وعددا آخر من المصممين المغاربة موجة الترويج لإدخال الصناعة التقليدية في التصاميم العصرية، بعدها أضحى هذا النوع من التصاميم يلقى اهتماما متزايدا لدى الزبائن المغاربة أيضا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى