مقالات الرأي

تدبير الأموال المشتركة بين الزوجين -قراءة في الفصل 49 من مدونة أسرة


تعد الأسرة هي العمود الفقري للمجتمع وقد أولى لها الفقه والقانون عناية واهتماما كبيرا من خلال اجتهادات الفقهية والنصوص القانونية التي تؤطر كل الجوانب المتعلقة بالأسرة، إلا أنه قد تنشأ بعض الخلافات والنزعات بين الزوجين وأخص بالذكر مسألة التدبير المالي للأموال المكتسبة بينهما، فالمشرع المغربي وضع لهما تنظيم عام في المادة 49 من مدونة الأسرة ، وانطلاقا من هذه المادة نجد على أن المشرع أقر نظاما قانونيا جديداً لإدارة وتدبير الأموال حيث تتفاعل في تكوينه تركيبة تلاثية تجمع بين مبادئ أساسية أولها ، التأكيد على مبدأ الإستقلال والذمة المالية لكل من الزوجين ، ولقد نصت المادة 49 في فقرتها الأولى على أن «لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر». فمن خلال هذه الفقرة يتبين أن المشرع يعلن مند البداية أن الزوج له ذمته المالية المستقلة والزوجة مقابل ذالك لها ذمتها المالية المستقلة عن زوجها ، بحيث لا يجب الخلط مطلقا بين الذمتين ، فتشبث المشرع المغربي بمقتضيات هذا المبدأ يعكس التوجه العام الذي ارتكزت عليه مدونة الأسرة ،المتمتل في ضرورة مجاراة أحكام الشريعة الإسلامية وعدم الخروج عن مقتضياتها ، فهو من جهة أخرى يجد تبريره فيما يمنحه المبدأ من ضمانات قانونية متميزة لأطراف العلاقة ، وخصوصاً المرأة التي تبقا محتفضة بحقوقها الكاملة والمستقلة في التصرف في أموالها دون وصاية أحد ما دامت متوفرة على الأهلية القانونية في ممارسة ذالك والحرص على ضمان عدم إغتناء أحد الزوجين على حساب الآخر خاصة إذا كانت الذمة المالية لأحدهما إيجابية مقابل سلبية اخرى
الا أنه في إطار رغبة المشرع في إيجاد حل لإشكالية اقتسام الممتلكات التي ستكتسب بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية فقد عمد الإقرار بمبدأ آخر يقضي بجواز اتفاق الزوجة على تدبير أموالها المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية وهذا المبدأ فهو اختياري يخضع لمبدأ سلطان الإرادة بمفهومه المدني وذالك في الفقرة الأولى من المادة 49 من مدونة الأسرة حيت نصت على أنه «… غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها…..»
هذا الاتفاق يمكن من خلاله للزوجين تنظيم وتدبير أموالهما التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية وذالك عن طريق تحديد كيفية استثمارها وطريقة توزيعها ، امر الذي يتطلب تطابق ارادتي الطرفين والإتجاه نحو ابرام العقد ، مادام لهما الأهلية المدنية لإبرامه والحرية المطلقة في التصرف بأموالهما طبقا لمبدأ استقلال الذمة المالية.
ولهما أيضاً كامل الحرية في تحديد كافة شروطه وآثاره وقد عمد المشرع على أن يفرغ هذا الانفاق في شكل وثيقة مكتوبة مستقلة عن عقد الزواج. توقيا لأي نزاع قد ينشأ بين الأزواج ومنح المشرع أيضاً للزوجين الحرية في إجراء الاتفاق سواء في وثيقة رسمية أو عرفية سواء أمام العدلين أو الموثق.
غير أن الإشكال يثور عندما لا يكون هناك اتفاق حيت نصت الفقرة الأخيرة من المادة 49 من مدونة الأسرة على أنه «إذا لم يكن هناك اتفاق ،فيرجع للقواعد العامة للإثبات مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات ، وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة ». أي على الزوجين الرجوع للقواعد العامة للإثبات في حالة نشوء نزاع بشأن ذالك ، فعلى القاضي مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وغيرها من المؤشرات التي تساعده على تحديد نسبة مساهمة كل زوج على حدة ، غير أن هذه القواعد العامة للإثباث تطرح عدة إشكاليات سواء فيما يتعلق بطبيعة هذه القواعد ومصدرها وقد تم تفسير هذا الغموض من الناحية الفقهية واعتبار المذهب المالكي مصدرا تكميليا لنص المدونة يشكل مرتكزا قانونيا يمكن الإستناد إليه في تحديد طبيعة القواعد العامة للإثباث ، إ شي إضافة إلى الإشكال المتعلق بطبيعة ونطاق العناصر التلاتة التي أدرجها المشرع بالفترة الآخيرة من المادة 49 التي يعتمد عليها القاضي في ترتيب حق الزوجين في المكتسبات خلال الحياة الزوجية ،في حالة غياب اتفاق كتابي وأيضا إشكالية إمكانية تطبيق مقتضيات الفقرة الأخيرة من هذه المادة (المادة 49 من مدونة الأسرة) بأثر رجعي بمعنى آخر هل يمكن إعمال مقتضيات هذه الفقرة الأخيرة بالنسبة لنزاع ناشئ قبل صدور مدونة الأسرة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى