نساء رائدات

الاعلامية المغربية خديجة اولاد عدي….رحلة صعود من أول الدرج

بلسان عربي فصيح وترتيب محكم للأفكار ينم عن ذاكرة حية ، تسترجع محطات من مسار امتد لعشرين سنة في مهنة المتاعب متدرجة في صنف صناعة المحتوى الوثائقي والبرامجي، شراء وإنتاجا وتحكيما.

لم يكن المسار مليئا يالورود ، بل رحلة محفوفة بالتحدي وإثبات الذات دشنتها الاعلامية خديجة اولاد عدي الزناتية المولد والسهلية الأصل والسلاوية النشأة والتكوين ، بمرحلة ما قبل الإعلام ، متنقلة لمدة عشر سنوات بين مجموعة من دول منطقة غرب إفريقيا رفقة زوج فرض عليه العمل في المجال الانساني لصالح إحدى الوكالات الأممية هجرة ارض الاباء والاجداد.

هذا الجزء من مسار اولاد عدي ، خريجة المدرسة العمومية المغربية ، في الأدغال الافريقية لم تختره رحلة استجمام وعطالة ، بل شمرت على سواعدها ومارست أنشطة في المجال التطوعي تجسيدا لرغبتها في اختبار وتعزيز ما تلقته أثناء مسيرة التحصيل بكلية الاداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط حيث حصلت على الاجازة في علم الاجتماع.

تقول اولاد عدي أن هذا الاحتكاك بالمجتمعات الافريقية بخمس دول بغرب القارة السمراء منها غينيا التي حصلت فيها على شهادة الميتريز ، أثر في المسار وساهم في صقل المدارك ما أغنى الرصيد المعرفي وساهم في تكوين شخصية بقدرة كبيرة على الاكتشاف والتحمل والعمل بلا كلل في مجال التطوع خاصة في إطار مشروع مراجعة مؤتمر بكين .

التجربة بإفريقيا ،التي اعتبرتها صدمة حضارية ولدت لها مجموعة من الأسئلة ناجمة عن اختلاف العادات والتقاليد والثقافة، وصلت الى مرحلتها النهائية سنة 2004 ، ماجعل العودة الى الوطن الام امرا حتميا على الرغم من أن المقام لم يدم أكثر من ستة أشهر لتشد بعدها الرحال رفقة شريك حياتها نحو قطر .

العبور من عالم التطوع الى ممارسة شغل منتظم في إطار مؤسسة اعلامية تم من نافذة الجزيرة الوثائقية . استثمرت خديجة على الوجه الاكمل رغبة القيمين على هذا المشروع الجديد في استقطاب كفاءات من ذوي التخصص في علم الاجتماع ومن لهم خبرة في العمل الميداني لادماجهم ضمن فريق انتقاء الافلام الوثائقية .

انضمت خديجة ،التي كان يروادها الشك في ما مدى جدوة تخصص علم الاجتماع في سوق الشغل ، سنة 2006 تاريخ انطلاق القناة الوثائقية لهذا المشروع لتبدأ رحلة أخرى في جديدة في مجال تنافسي شرس يتطلب الكثير من الدربة والتقنيات والتكوين والزاد المعرفي “فضلا عن طابعه الذكوري” .

أصبحت خديجة ، عضوا في فريق البث والرقابة لتبدأ معها رحلة تعلم ذاتي واكتشاف المعرفة ومعها اكتشاف أن علم الاجتماع كنز ثمين..”كنا اول فريق يخترع عجلة الانتقاء داخل القناة وأول فريق يحدد المعايير التي يجب اتباعها لاختيار اي فيلم لعرضه على المشاهد وهذا كان يتطلب منا مؤهلات معرفية كبيرة ” .

تحكي خديجة عن هذه البدايات قائلة “طبيعة تكويني وتربيتي التي لاتسمح لي بأن أكون ضيفا على عالم معين فرضت علي ضرورة الالمام بضوابط العمل في هذا المجال …فبدأت السلم من الدرج الاول مستفيدة من قائمة كبيرة من الدورات التكوينية مكنتني من زاد معرفي ومن قواعد الاعلام خاصة في مجالات التصوير والمونتاج وصناعة القصة وكل المعارف التي كنت اشعر بأنها تنقصني واحتاج ان استكملها”.

المحطة التي وصفتها خديجة اولاد عدي بالفارقة وبالانطلاقة الحقيقية لها في المجال الاعلامي بشقية التحريري والتقني والفني تمثلت في تلقيها تكوينا وصفته ب”الرصين” والذي مكنها من الحصول على دبلوم صناعة الفيلم الاكاديمي من أكاديمية نيويورك لصناعة الافلام ….”لظروف مرتبطة بالتاشيرة تابعت التكوين بفرنسا لحوالي ثلاثة أشهر وكان عمري أنذاك اربعين سنة وكنت أما لأربعة أبناء من ضمنهم بنت بكر “.

تقول اولاد عدي ،منج اول في شبكة الجزيرة متخصصة في حقوق الانسان والحريات العامة ،في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء عن هذه المحطة “التكوين في سن متقدمة يسمح بحسن اختيار ماذا تريد وما الذي تحتاجه لسد النواقص وتجويدها”.

ظروف أولاد عدي التي ولدت من أبوين لم يرزقا بالذكور إلا بعد انجاب أربع بنات ،كانت هي الثانية منهن، ساهمت في تربيتها ، ذلك أن الاب الذي كان متعطشا لابن ذكر عاملهن معاملة “الذكور” ..ترك لهن حرية الاحتكاك بالعالم الخارجي ما مكنهن من تكوين شخصية قادرة على التأقلم في عالم تغلب عليه النزعة الذكورية وهو ما سرع لها خطوات الاندماج في عالم الشغل داخل مجتمع شرقي كان وقتها يتلمس الخطوات في الإيمان بقدرات المرأة. سرعة الاندماج والقدرة على العمل بجلد وصبر وكذا استفادتها من معارف جديدة فتحت اعين زملائها بالقناة الإخبارية للجزيرة فكان ان طلبوها للانضمام الى برنامج “تحت المجهر” الذي شكل “منعطفا في حياتي المهنية بالنظر الى حجم المعرفة التي اكتسبتها وبالنظر ايضا الى احتكاكي يمخرجين وبجمهور عريض ..كنا نعمل كفريق واحد على صناعة الفيلم من الفكرة الى ان يطلع على الهواء مع ما يتبع ذلك من مسؤولية تحريرية وفنية وقانونية واخلاقية …شكلت هذه التجربة الى جانب تجرية برنامج “فلسطين تحت المجر” مبعث فخر كبير بالنسبة لي ” .

وكطائر حر يأبى الخلود في مكان واحد حولت اولاد عدي بعد ثماني سنوات الوجهة نحو مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الانسان قناعة منها أن البقاء في نفس المكان سيؤدي الى التعود عليه والسقوط في النمطية ، فكانت الوجهة برأيها “تجربة مميزة توجهتها بتوليها المسؤولية عن الانتاج من الزاوية الحقوقية “.

التجربة التي راكمتها على مدى ست سنوات في مجال الالمام بالقانون الدولي الانساني فتحت لها الفرصة لتصبح مدربة معتمدة من جامعة الدول العربية على القانون الانساني الدولي كما سمحت لها بالانضمام الى لجنة تحكيم شبكة التلفزيون الياباني.

تقول أولاد عدي عن هذه المحطة “كنت المرأة العربية والمسلمة الوحيدة داخل هذه اللجنة…اليبانيون لا يجاملون ولايضعونك في مكان ما إلا إذا كنت ستسد الثغرة وهذا مازادني فخرا بتعليمي وبما قدمه اليه بلدي “.

في مسارها ساهمت اولاد عدي في نقل المعرفة للآخر اذ عملت من داخل “أريج” بالخصوص في تجسير الهوة السحيقة بين عالم التدريس وسوق الشغل من خلال توفير تكوينات في الصحافة الاستقصائية للطلبة وللصحافيين حول اسس العمل والمسؤولية الاخلاقية خصوصا في زمن الثورة التكنولوجيا وصحافة البوز والاثارة وزمن “المواطن الصحافي”.

تقول اولاد عدي “أرفض كلمة المواطن الصحافي لأن ما ينشر ليس عملا صحافيا . الصحافي هو من يحترم مبادىء الصحافة الاخلاقية ومعايير الكتابة ويحترم أيضا جمهوره ويتحمل مسؤوليته فيما يكتب وما ينشر ” داعية الصحافيين الى عدم السقوط في الاستسهال سواء على مستوى اللغة أو على صعيد القواعد المهنية لان هذا سيسفه العمل. الصحافي لا بجب ان يكتفي بما درس وتعلم فهو مثل الطبيب الجراح الذي إذا لم يجدد معلوماته بانتظام فسيقتل مرضاه”.

في الختام تتوجه اولاد عدي بتحية إكبار للمرأة المغربية وتشد بحرارة على ما تحقق لفائدتها سواء على مستوى تكافؤ الفرص أو تمكينها من مراكز القرار “أثمن ما تحقق بالمغرب بالنظر الى الوضع الذي توجد عليه المرأة في مجتمعات قريبة منا رغم انه يتعين القيام بمجهود إضافي لتحقيق مجموعة من المطالب الأخرى”.

طموح اولاد عدي لا حدود له ورغبتها في استكمال المشوار على درب النجاح جامحة ..كيف لا بمكن لها تحقيق ذلك وهي التي بدات مرحلة الصعود من اول الدرج بل من تحته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى